الحُكْمُ عَلَى المُخَالِفِينَ و التَّعَامُلُ مَعَ أَصحَابِ الزَّلَّاتِ و المُخْطِئِينَ
بَينَ مَنهجِ الاحْتِوَائِيِّين وَ مَنهَجِ الأَئِمَةِ المهْدِيِّين
بَينَ مَنهجِ الاحْتِوَائِيِّين وَ مَنهَجِ الأَئِمَةِ المهْدِيِّين
#ردود_أعضاء_الإبانة الحُكْمُ عَلَى المُخَالِفِينَ و التَّعَامُلُ مَعَ أَصحَابِ الزَّلَّاتِ و المُخْطِئِينَ بَينَ مَنهجِ الاحْتِوَائِيِّين وَ مَنهَجِ الأَئِمَةِ المهْدِيِّين جمع وانتقاء: أبي بسطام إبراهيم بويران -وفقه الله-
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على نبيِّنا محمد و على آله و صحبه أجمعين، و بعد:
فسأتكلم في هذا المقال بتوفيق الله تعالى و معونته، عن قَضِية الحكم على المخالفين، و كيفية التعامل مع أصحاب الزلات و المخطئين و بخاصة منهم من كان منتسبا لأهل السنة السلفيين:
بين أئمة السلف المهديين من جهة، و بين الاحتوائيين من جهة أخرى .
و سأجمل الكلام في الموضوع، و أحصره في نقطتين مهمَّتين، حاول القوم و أنصارهم و أتباعهم استغلالهما، و التوصل من خلالهما إلى تبديع خصومهم، و إخراجهم من السنة و إلحاقهم بالحدادية- بل قد فعلوا!- عاملهم الله بما يستحقون .
و أبدأ بـ:
* النقطة الأولى *
و هي:
مسألة التبديع و الحكم على المُخالف و المُخطئ ، و كيفية التَّعامل معه.
و هي:
مسألة التبديع و الحكم على المُخالف و المُخطئ ، و كيفية التَّعامل معه.
فأقول: الحكم على المُخالف بالبدعة، و إخراجه من السُّنَّة –عند أئمة السنة- يكون بأمور:
منها: أن يُخالف أصلًا من أصول السنة، أو أن يُكثر من المخالفة في الجزئيات، كما قرَّر ذلك الإمام الشاطبيُّ في " الاعتِصام " (1/478) حيث قال: « الفِرَقُ إنَّما تصيرُ فِرقاً بِخلافِها للفِرقةِ النَّاجيةِ في مَعنى كُلِّي في الدِّينِ، وقاعِدةٍ من قَواعِدِ الشَّريعةِ، لا في جُزئيٍ من الجُزئياتِ، ويَجرِي مَجرى القَاعِدةِ الكُليَّةِ كثرَةُ الجُزئياتِ، فإنَّ المُبتَدعَ إذا أكثرَ من إنشاءِ الفُروعِ المُختَرعةِ، عادَ ذلكَ على كَثيرٍ من الشَّريعةِ بالمُعارضةِ، كَما تصيرُ القَاعدةُ الكُليَّةُ معارِضةً –أيضا-».
* و منها: أن يُخالف بعض مسائل الشرع، قال الشوكاني رحمه الله في " أدب الطلب " (ص72):« .. فَإِن أهل الْبدع لم ينكروا جَمِيع السُّنة وَلَا عَادوا كتبهَا الْمَوْضُوعَة لجمعها، بل حق عَلَيْهِم اسْم الْبِدْعَة عِنْد سَائِر الْمُسلمين بمخالفة بعض مسَائِل الشَّرْع »اهـ .
* بل قد يخرج من السلفية بمخالفة واحدة في فرع من الفروع!، و ذلك إذا جعل يوالي و يُعادي على خطئه و مُخالفته .
قال العلامة عبيد الجابري حفظه الله: « يخرج من السلفية إذا خالف أصلا من أصول السنة، و قامت الحجة عليه بذلك و أبى الرجوع، هذا يخرج من السلفية . كذلك قالوا حتى في الفروع إذا خالف فرعا من فروع الدين فأصبح يوالي و يعادي في ذلك فإنه يخرج من السلفية »["جناية التميع على المنهج السلفي "] .
فمن خالف و لو في فرع من الفروع، و جعل يوالي على خطئه بمحبة من وافقه و سكت عنه و أيَّده، و تقريبه و حُسن الثناء عليه، و يُعادي من أنكر عليه و يطعن فيه، فإنه يمرق –بذلك- من السلفية!
و لكن هذا في ميزان السلف المرضيين، أمَّا في ميزان الاحتوائيين فإنَّ هذا لا يستقيم، بل هو عندهم: الحدادية التي لا أخسَّ منها!
ذلك أنهم يعتبرون مجرد تهميش من خالف في الأصول و الفروع –جميعا- و ليس في الفروع فقط ، و جعل يوالي و يعادي على مُخالفاته في الموضعين –كما حصل منهم- ، يعتبرون مجرد تهميش من هذا حاله، و هجره : حدادية مقيتة خسيسة؟
فكيف بمن أخرج أحدًا من السلفية لمخالفته في فرع واحد عقد عليه الولاء و البراء ؟! لاشك أنه عندهم أفظع جرمًا و أشد غلوًّا، و أضلُّ سبيلًا!
و هذا إن دلَّ على شيء؛ فإنما يدل على بُعد هؤلاء عن منهج السلف في الحكم على الرجال، و التَّعامل مع المخالفين؛ هذا المنهج الذي يكفي للخروج منه مخالفة أصل واحد، أو الإكثار من المخالفة في الجزئيات، أو مُخالفة بعض مسائل الشرع، بل يكفي للخروج منه مُخالفة واحدة في الفروع إذا جعل المُخالف يوالي و يُعادي عليها، كما أفاده العلامة عبيد الجابري، و هم لا يؤمنون بهذا و لا يُسلِّمون به!
إذ من لم يُسلِّم بمشروعية هجر المنتسب إلى السنة و التحذير منه، و إسقاطه بما دون التبديع إذا وقع في أعدادا من المخالفات المنهجية و غيرها، كيف يُسلِّم بتبديعه بمخالفته في جزئية واحدة، و في فرع واحد عقد عليه الولاء و البراء؟!
و عدم تسليم القوم بالتحذير من المنتسب إلى السنة، و اعتبارهم ذلك من منهج الحدادية، بدعوى أنها معاملة قاصرة على أهل البدع، قد سبق نقله عنهم –في غير هذا الموضع- بلسان حال البعض، و بلسان مقال البعض الآخر .
و من هؤلاء الدكتور( ر.ب.ش) الذي قال بصريح العبارة –في تسجيل صوتيٍّ له: « السُّني ولو كان فيه خطأ ولو كان فيه زلل، ولو كان فيه خلل، لا يُنهى عن مجالسته، الذي يُنهى عن مجالسته هم أهل البدع » .
و هذا تأصيلٌ فاسد عاطل مُصادمٌ للنصوص الشرعية، و مُصادمٌ –كذلك - لمنهج السلف، و لما قرَّره علماء السنة!
* أمَّا مُصادمته للنصوص الشرعية؛ فلأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد هجر بعض أصحابه يوم تخلَّفوا عن غزوة تبوك، و نهى الناس عن كلامهم و عن مجالستهم، و قد جاء ذلك على لسان أحدهم و هو كعب بن مالك رضي الله عنه حيث قال:« وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ كَلاَمِنَا أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وَتَغَيَّرُوا لَنَا »[ أخرجه البخاري(4418)، و مسلم(2769)] .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : « قال الطبري: قصة كعب بن مالك أصل في هجران أهل المعاصي »[ " فتح الباري "(10/497)] .
و مثل هذا ورد –أيضًا- عن جمع من الصحابة، حيث هجروا بعض الأفاضل على التأبيد و تركوا كلامهم و الجلوس إليهم، و إن كان بعضهم من أقاربهم، لما خالفوا السنة و بعض مسائل الشرع .
و من ذلك:
ما جاء في الصحيحين –و اللفظ لمسلم- أن قريبًا لعبد الله بن مغفل رضي الله عنه خذف ، فنهاه ، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى عن الخذف، وقال : « إنها لَا تَصيدُ صَيدًا ، وَلَا تَنكَأ عَدُوًّا ، ولَكنَّها تَكسِر السِّن ، وتَفقَأ العين »
قال: فعاد، فقال –أي عبد الله بن مُغفل- : « أُحدِّثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه ، ثم تخذف، لا أكلمك أبدًا ».
قال النووي في شرح هذا الحديث كما في " شرح مسلم"(5/110):« فيه هجران أهل البدع والفسوق ومُنابذي السُّنة مع العلم، وأنه يجوز هجرانهم دائمًا.
والنَّهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام إنما هو فيمن هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا وأما أهل البدع ونحوهم فهجرانهم دائما، وهذا الحديث مما يؤيده مع نظائر له كحديث كعب بن مالك »اهـ .
و في " الصحيحين " –أيضًا- عن سالم بن عبد الله أنَّ عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها »، فقال بلال بن عبد الله: والله لنمنعهنّ.
فأقبل عليه عبد الله فسبَّه سبًّا سيِّئًا ما سمعته سبَّه مثله قط، وقال: أُخبِرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: والله لنمنعهن؟!.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في " الفتح": « أُخِذ من إنكار عبد الله على ولده تأديب المعترِض على السُّنن برأيه، وجواز التأديب بالهجران، فقد وقع في رواية أبي نجيح عن مجاهد عند أحمد: فما كلَّمه عبد الله حتى مات »اهـ .
و في " الإبانة الكبرى" لابن بطة(1/102) عن الأعرج قال: سمعت أبا سعيد الخدري - رضي الله عنه - يقول لرجل: « أتسمعني أحدِّث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لَا تَبيعُوا، الدِّينار بالدِّينار والدِّرهم بالدِّرهم إلَّا مثلاً بمثلٍ، ولَا تَبيعُوا مِنهَا عَاجِلًا بِآجِل» ثم أنت تُفتي بما تُفتي؟، والله لا يؤويني وإيَّاك ما عشت إلا المسجد ».
* و أمَّا مُصادمة هذا التأصيل الفاسد لمنهج السلف، فيدلُّ عليه ما قرَّره علماء السنة، من مشروعية ترك مُجالسة المنتسبين للسنة و السلفية و هجرهم و التحذير منهم، لمن وقع منهم فيما يوجب ذلك، مما هو دون البدع و المحدثات، و عدم تخصيص ذلك بأهل البدع .
و في ذلك يقول العلامة عبيد الجابري حفظه الله:« التحذير شيء والتبديع شيء آخر؛ التحذير لا يستوجب التبديع، قد يُحذَّر من شخص هو في نفسه طيِّب وحسن وسليم، لكن عنده تخليطات، يخلِّط في كلامه ما بين سنة وبدعة..»[ " الأجوبة السلفية على الأسئلة القطرية "] .
* و هذا شيخ القوم! الدكتور عبد الله البخاري يقول - مُبطلًا هذا التأصيل الكاسد-: « إذا ما رددت على فلان فهِمَتِ الناس أنه مبتدع، ما هذا الفهم السقيم؟!
و إذا ما سكت عن باطله، قالوا: إذًا هو من أهل السنة! هذه أفهام تحتاج إلى إعادة صقل، وتعريف.
فليس كل من رُدَّ عليه يُعتبر مبتدعًا، و ليس كلُّ من حُذِّر منه يكون مبتدعًا، كما أنه ليس كل من لم يُرَد عليه يكون سُنِّيًا، و ليس كل من مُسِك عن التحذير منه يكون سُنِّيا؛ فقد يكون المردود عليه سُنِّيًا، و قد يكون مبتدعًا، و قد يكون المُحذَّرُ منه مبتدعًا، و قد يكون سُنِّيًّا، عنده سَفَه، و عنده طيش، و عنده تهوُّر، لا يصلح، غير مؤهَّل، فتُحذِّر لسوء خلقه، لطيشه، لسفهه، لعدم أهليته، فهمت؟ و نحو ذلك.
فليس التَّحذير دليلًا على الابتداع، و ليس السكوت دليلًا على السُّنِّية»[ من صوتية بعنوان " الضابط الشرعي في الصبر على الأخطاء المنهجية "] .
فانظر كيف وصف شيخهم هذا التقرير الاحتوائي الخلفي! -بعد أن أبطله-؛ بأنَّه فهمٌ سقيم يحتاج إلى إعادة صقل، وتعريف.
بل و الله إنه لمن البدع المحدثة التي لا يعرفها المسلمون و لا آباؤهم، و قد وصفه بذلك إمام الجرح و التعديل العلامة ربيع المدخلي حفظه الله، حيث قال: « من قال: إن التحذير لا يكون إلا من أهل البدع، فقد أتى بما لا يعرفه المسلمون، و لا آباؤهم »[ " مجموعة الكتب و الرسائل" (9/84 إلى 86-93)] .
و من أتى بما لا يعرفه المسلمون و لا آباؤهم! فقد أحدث أمرًا لم تأت به السنة، و من فعل ذلك فقد وقع في البدعة، و يُسمَّى بذلك مُبتدعًا.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:« والعبد يُسمَّى مُبتدعًا لكونه أحدث قولًا لم تمض به سُنَّة، ثم يقال لمن اتَّبعه عليه مُبتدع »[ " شفاء العليل "(1/186)].
و الحق؛ أنَّ مثل هذا القول المُبتدع؛ إنما يقوله من لا يرَى للأخطاء تأثيرًا على السلفية!
فمهما عظُمت و كثُرت لا تهزُّ سلفية المُخطئ و لا تقدح فيها –عنده- ! و هذا عين ما كان يُناضل من أجل فرضه بديلًا عن المنهج الحق، أسلاف هؤلاء من بني التمييع كالحلبي و من على شاكلته .
قال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله –بعد ذكره لجملة من مخالفات عدنان عرعور المنهجية- :« و مع كل هذه المخازي يقف الحلبي إلى جانبه، يُدافع عنه بطريقة ماكرة، و يحكم له بالسلفية، ثم يقول: لكن عنده أخطاء، يعني أخطاء اجتهادية قد يؤجر عليها! و لا تهزُّ مكانته العظيمة في السلفية، في منهج الحلبي الذي يسع أصناف أهل الضلال »[ " عمدة الأبي"(ص96)] .
فالسلفي–عند هؤلاء- على علَّاته، و على ما يقع فيه من أخطاء منهجية، يبقى سلفيًّا، لا يُهجر و لا يُحذَّر منه، و في أحسن الأحوال يقولون: سلفي عنده أخطاء، ثم يُرفقون هذه الأخطاء بما يُقلل من أمرها، و يُهوِّن من شأنها، و من ذلك وصفها بالأخطاء اليسيرة! كما صنع (خ.ح) مُدافعًا عن شيوخه و عن الدكتور ( ع .م ) ، و ربما جعلوها من باب الهفوات و زلات اللسان، كما صنع ( ع .ر)، شيخ المومى إليه، و كذا أسلافه من المميعة .
و ربَّما أخرجوها عن كونها منهجية للعلَّة نفسها، كما كان يصنع أهل التحزُّب.
قال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله –في سياق رده لضلالات المأربي : « ألا تراه كيف يغالط ويستهين ويُهون من شأن خلافاته فلا يراها عقدية ولا منهجية أليست هذه سفسطة من لا يقيم وزناً للخلافات العقدية والمنهجية؟! » [ التنكيل بما في لجاج أبي الحسن من أباطيل] .
و قال حفظه الله:« ليس سبب الخلاف بينك وبين السلفيين في الأسلوب، وإنما هو في صميم المنهج وفي القواعد الباطلة، في أصل أصيل من الإسلام وهو الولاء والبراء..فدع التمويه والتلبيس، وليس الخلاف بينك وبين من تحاربهم في جزئية، وإنما هو في أمور جسيمة، وجنايات كبيرة»[ " المصدر السابق"] .
* و ربما جعلوها من جملة الأخطاء الاجتهادية التي لا تثريب على المُخالف فيها! و ربما..، و ربما.. .
و النتيجة؛ أنَّ السلفي –عند هؤلاء- مهما أخطأ و مهما خالف: لا يُهجر، و لا يُحذَّر منه، و إنما ذلك خاصٌّ فقط بأهل البدع! فجعلوا من السلفية حصانة للمخطئين من الهجر و التهميش و التحذير! و لازم هذا المنهج المطاطي: أنه لا يضر مع السلفية شيء!
و هو ما كان يُؤصِّل له أهل التَّحزُّب كالمأربي و من قبله و من بعده من المميعة . قال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله:« فهنيئا لهذا الطيباوي الذي لا يرى هذه الموبقات تُخالف المنهج السلفي»[ " عمدة الأبي"(ص362)] .
و قال حفظه الله في سياق ردِّه على المأربي الذي كان يُدافع عن بعض المخالفين و يشهد لهم بالسلفية على ما عندهم من أخطاء و مؤاخذات-، قال:« يقول أبو الحسن بدخول أصحاب الجمعيات كالحكمة والإحسان إنهم من أهل السنة و سلفيون .
وأهل السنة لا يعرفون هذه الوساوس والهلوسات التي يرددها أبو الحسن باسم المنهج السلفي والمنهج السلفي وأهله على أمتداد التاريخ برآء من هذه الهلوسات و الأفاعيل التي تهدم المنهج السلفي وأهله ولا تبني ولا ترفع للسنة راية ولا تنفع أهل البدع بل تضرهم؛ لأنها تزيدهم اغترارًا وتزيدهم تمسكاً بباطلهم.
لا سيما وأبو الحسن يصفهم بأنهم من أهل السنة، فهذا المسكين سائر على مذهب غلاة المرجئة الذين يقولون لا يضر مع الإيمان ذنب فهو يقول لا يضر مع السلفية شيء .
وهو سائر على منهج الإخوان المسلمين في التهوين من شأن البدع » [ " قاعد نصحح و لا نهدم عند أبي الحسن"] .
نعم؛ إنه التهوين من شأن المخالفات المنهجية – الذي جعلوا منه مخرجًا لهم للتَّخلُّص من ورطاتهم، و التَّملُّص من تبعات مُخالفاتهم و التَّنصُّل منها، و من الأحكام المترتبة عليها .
إنه التهوين من شأن المخالفات المنهجية، الذي اتخذوا منه عُكَّازًّا لتشويه صورة خصومهم و التشنيع عليهم بدعوى أنهم شدَّدوا في معاملتهم في أخطاء هيِّنة و يسيرة! و غير منهجية! و من ثمَّ رميهم بالغلو و الحدادية .
فهذا التَّهوين؛ هو الذي جرَّ القوم إلى الإنكار الشديد على من حذَّر ممن وقع في الأغلاط المنهجية –من المنتسبين للسنة- و أدَّى بهم إلى تبديعه وإلحاقه بالحدادية ظلمًا و عدوانًا.
فأين هم مما كان عليه السلف من تعظيم شأن المعاصي و المخالفات، و الخوف من عواقبها، و الوجل من تبعاتها؟!
قال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله: « كيف لو اطلع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح على منهج علي حسن وحزبه وأصولهم وتهوينهم من الضلالات الكبرى؟
قال الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه:« إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالًا هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنْ الشَّعَرِ، إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْمُوبِقَاتِ »[ البخاري ( 6492)، ] .
يخبر أنس بهذا الخبر عن نفسه وعن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
وعن الحارث بن سويد قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: « إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ فِي أَصْلِ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ وَقَعَ عَلَى أَنْفِهِ، فَقَالَ لَهُ هَكَذَا فَطَارَ »[ البخاري (6308)] .
فيا أيها المستهينون بعظائم الموبقات! اسلكوا مسلك أصحاب محمد في نظرتهم إلى الذنوب وخوفهم من الله ومن عواقبها، وتوبوا إلى الله من مسالك الفجار في الاستهانة بها وعدم الخوف من الله الشديد العقاب »[ مقال "الحلبي يُدَمِّر نفسَهُ بالجهل والعناد والكذب " ( الحلقة الأولى )] .
* و أين هؤلاء من مسلك الأئمة و علماء السلف حيث كانوا يُسقطون بالمخالفة المنهجية الواحدة، و يُخرجون بها الرجل من السُّنَّة، ولو كان من كبار أئمة الإسلام و السنة؟
قال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله في رسالته " قاعدة نصحح و لا نهدم عند أبي الحسن": « انظر إلى هذا التهوين من البدع و الضلالات، فيسميها زلة أو زلات، فهل هذا منطق السلف؟!
و لقد كان الرجل يزل زلة واحدة في العقيدة على عهد السلف، فيسقطه أئمة السلف و الحديث »انتهى .
و قال حفظه الله: « موقف الإمام أحمد وأهل الحديث في زمانه من أناس كانوا أئمة في العلم والدين ومن أهل الحديث وقعوا فيما يسميه أبو الحسن زلة أو زلات وقام عليهم أهل السنة ووسموهم بالبدع والضلال.. .»[ " مجموعة الكتب و الرسائل "(13/378)] .
و قال حفظه الله:« في عهد الإمام أحمد لما تلكأ بعض العلماء في الصدع بالقول أن القرآن كلام الله و الرد على من قال: القرآن مخلوق، هجرهم الإمام أحمد، مع أنهم من أبرز أهل السنة و الحديث، و مع اعتذارهم بالخوف من بطش السلطان و سطوته لم ينبر أحد للإمام أحمد يحاربه و يؤلب عليه »[عمدة الأبي 365] .
فهذا إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله، هجر هؤلاء لعدم صدعهم بالحق، مع أنهم كانوا من أبرز علماء السنة و الحديث، و لم يمنعه من ذلك اعتذارهم لأنفسهم بالخوف من بطش السلطان و سطوته، و لم ينبر أحدٌ من الأئمة لمحاربته أو مُعارضته، بل وافقوه و أيَّدوه؛ لأن هذا هو مسلكهم و هذه هي طريقتهم – هم- كذلك .
- و إذا كان هذا هو تعامل أئمة السلف مع من وقع في زلة منهجية و عقدية واحدة- و هم من كبار الأئمة- ! فكيف بمن هو دونهم، و من لا تجوز مُقارنته بهم، و وقع في أعداد من المخالفات المنهجية -و ليس في مُخالفة واحدة-، و جعل يعقد عليها الولاء و البراء؟!-.
* و قال العلامة المعلمي رحمه الله في كتابه " الأنوار الكاشفة "(ص96-97): « وكان أئمة النقد لا يكادون يوثِّقون محدِّثًا يداخل الأمراء أو يتولى لهم شيئًا، وقد جرحوا بذلك كثيراً من الرواة..، وكان محمد بن بشر الزنبري محدثاً يسمع منه الناس، فاتَّفق أن خرج أمير البلد لسفر فخرج الزنبري يشيعه، فنقم أهل الحديث عليه ذلك وأهانوه ومزَّقوا ما كان كتبوا عنه، وكثيرًا ما كانوا يكذِّبون الرَّجل و يتركون حديثه لخبرٍ واحدٍ يتَّهمون فيه، وتجد من هذا كثيرًا في ميزان الذهبي وغيره »اهـ .
فتأمل في شدة جماعة أهل الحديث و أئمة النقد، كيف أهانوا و جرحوا أناسًا محسوبين على أهل السنة، و كيف نكَّلوا بهم حتى في أشياء ليست من قبيل البدع و العقائد الفاسدة، فماذا سيقول القوم، و هل سيحكمون عليهم بالغلوِّ و الحدادية؟ كما فعلوا مع خصومهم الذين لم يزيدوا على أن عاملوهم بنفس ما عامل به جماعة أهل الحديث أمثالهم؟
* و هذا العلامة عبيد الجابري حفظه الله، كانت له تزكيات قوية للشيخ عبد الرحمن العدني رحمه الله، و كان كثير الثناء عليه، حتى إنه انتصر له في خلافاته مع الحجوري انتصارًا قويًّا، و مع ذلك لما صدر من الشيخ عبد الرحمن العدني رحمه ما اعتبره الشيخ عبيد زلة منهجية: أسقطه! و قال فيه: مُغفَّل! لا يصلح للدعوة!
و ذلك في صوتية منشورة بعنوان " كلام العلامة عبيد الجابري -حفظه الله-في محمد الإِمَام وعبد الرحمن العدني وأنهما لا يصلحان للدعوة " .
و مما جاء فيها قول الشيخ عبيد- في حق الشيخ عبد الرحمن رحمه الله-: « بالنسبة للأخ عبد الرحمن بن عمر مرعي: لا يصلح للدعوة ، أقلُّ ما يقال فيه: إنه مُغفل؛ بناءً على كلماتٍ سمعتها منه، ومن تلكم الكلمات قولهُ في الوثيقة الفاجرة الكافرة الظالمة التي وقعها محمد بن عبد الله الرَّيمي ثم المعبري الملقب بالإِمَام، قال في تلك الوثيقة -أعني عبد الرحمن- قال: فيها باطل .
أقُول قائل هذه المقُولة -كما أسلفت- : أقل ما يُقال فيهِ إنهُ مُغفل، والمُغفل لايصلُحُ للدعوة ولايصلحُ للتدريس أَبَداً، خيرٌ لهُ أن يُصلي مع المسلمين يحضر الجمعة والجماعة مع المسلمين .
أملاه عبيد بن عبد الله بن سليمان الجابري بعد عشاء الأربعاء الثاني عشر من محرم عام ستة وثلاثين وأربعمائة وألف »اهـ .
فتأمَّل –رحمك الله- كيف أسقط الشيخُ عبيد الشيخَ عبد الرحمن العدني و حكم عليه بأنَّه من المُغفَّلين الذين لا يصلحون للدعوة و لا للتدريس أبدًا - بعد تزكياته القوية له- بمجرد كلمات سمعها منه، و منها قوله في وثيقة الإمام: فيها باطل! حيث رآى الشيخ عبيد بأن هذا الوصف لوثيقة الإمام غير كاف و أنها تستحقُّ أكثر من هذا!
و أين هذه المُخالفة من مُخالفات جماعة المجلة؟!
بل هؤلاء –أنفسهم- قد تعاملوا بمثل هذه المعاملة التي أنكروها على خصومهم و بدَّعوهم بها و ألحقوهم بالحدادية! حيث اشتدُّوا جدًّا في معاملة بعض أهل السنة، حتى وصل بهم الأمر إلى إسقاطهم و إقصائهم! لا لبدع ابتدعوها، و لا لمناهج ضالة تبنَّوها، و لا لكونهم من أهل البدع و الأهواء! و لكن لمخالفات رأوهم ارتكبوها استحقوا بها تلك المعاملة و إن لم تصل بهم إلى حدِّ الابتداع.
و على سبيل المثال: تصرفهم مع بشير صاري، حيث أسقطوه، و أقصوه من المجال الدعوي، و أوقفوه عن التدريس، و حكموا عليه بعدم الأهلية للدعوة، و أنه لا يصلح لها، و نهوا عن استقباله، بعد اجتماعهم به في " دار الفضيلة" .
و هذا حكمٌ في غاية الشِّدَّة و القسوة على رجلٍّ سلفيٍّ عندهم، و ليس بمبتدع و لا ينتمي لأيِّ فرقة ضالة.
و هم و إن لم ينفردوا بانتقاده و الكلام فيه، إلا أن حكمهم عليه كان أغلظ من حكم غيرهم، حتى من حكم شيخنا عبد المجيد حفظه الله الذي كان سبَّاقًا إلى انتقاده –آنذاك- و لكنه لم يقل فيه ما قاله فيه هؤلاء! حتى إنه لما بلغه حكم القوم عليه و إسقاطهم إيَّاه بتلك الطريقة: قال: هذا حكم قاس، و أن الرجل لا يستحق كلَّ هذا .
فإن كان موقف مشايخنا منهم اليوم بسبب ما صدر منهم من مخالفات منهجية، موقف حدادي، و تصرُّفهم معهم تصرُّف حدادي، و الحال أنه يتوافق مع موقفهم من بشير صاري، فهم إذن؛ حدادية بامتياز! و الشريعة لا تُفرق بين المتماثلات .
فالحاصل من هذا؛ أنَّ السلف كانوا يُسقطون بالزلة المنهجية الواحدة، و يُبدِّعون بها، كما نقل ذلك عنهم علماء السنة الذين نقلنا أقوالهم –آنفًا- و غيرهم، و على دربهم سار مشايخ السلفية، كما رأيت .
بل ربَّما أسقطوا بالمُخالفة في جزئية واحدة من جزئيات العقيدة، التي ليست من الأصول! .
كما أفاد ذلك العلامة ربيع المدخلي حفظه الله في رسالته " بيان ما في رسالة إبراهيم الرحيلي من الخلل و الإخلال"(ص80-81)، حيث قال:« السلف لا يشترطون للتبديع اجتماع الصفات التي سردها الدكتور إبراهيم، فهم يُبدعون بل يُكفرون بمفردة واحدة من مفردات العقائد..» .
ثم ساق الشيخ أمثلة عن السلف في ذلك، ثم قال:« لقد بدَّع السلف عددًا من العلماء كانوا من كبار أهل السنة بسبب قولهم: لفظي بالقرآن مخلوق، مع موافقتهم لأهل السنة بأنَّ القرآن كلام الله و مُخالفتهم لأهل البدع بأنَّ القرآن مخلوق، و هذه المسألة هي جزئية كما ترى »اهـ .
* بل رُبَّما أسقطوا و بدَّعوا بمجرد استعمال الألفاظ المجملة و المتشابهة في المعاني الشرعية! كما نقَلَهُ عنهم العلامة الربيع في غير موضع، و من ذلك قوله حفظه الله: « وقد حذر السلف من استعمال الألفاظ المتشابهة ، والتزموا الألفاظ الشرعية الواردة في الكتاب والسنة ، وبدَّعوا من يستخدم الألفاظ المتشابهة في المعاني الشرعية »["مجموعة كتب الشيخ ربيع " (9/554) ] .
و قال حفظه الله:« أليس هذا المنهج الذي سار عليه أئمة الفقه و الحديث، كالإمام أحمد و الأوزاعي و غيرهما في الزَّجر عن الإجمال في الكلام، بل تبديعهم لمن يستخدم الألفاظ المُجملة .
أليس فيما ينقله شيخ الإسلام ابن تيمية عن أئمة السلف من تبديع من يستخدم الألفاظ المُجملة ما يردع دعاة هذا الأصل الباطل: حمل المجمل على المفصل؟!»[ " عمدة الأبي "(ص326)] .
وإذا كانت هذه المعاملة الشديدة من قِبلِ أئمة السلف في حقِّ من استعمل الألفاظ المجملة في المعاني الشرعية، فكيف بالألفاظ الصريحة في الباطل، و الواضحة في الضلال؟ و كيف بالزلات –و ليس بالزلة المنهجية الواحدة-؟!
* كالثناء على المبتدعة و الأشاعرة، و تزكيتهم و حث الشباب على الاستفادة منهم و من علومهم!
* و الثناء على بعض المخالفين كبن حنفية و على علمه و مؤلفاته، و على حمرون، و طايبي و سمراد و موافقة عبد المالك و طلب المسامحة و الاعتذار منه؟
* و كيف بإظهار الفرح و السرور و الابتهاج بالاجتماع ببن حنفية عابدين و من على شاكلته، و التصريح بأن ذلك مما يُكسب المودة و التآخي، و يزداد به الإيمان، والثناء عليه بحضرة جموع من الناس، و إحالة الأسئلة إليه، و الانبساط معه و مع جماعته إلى حد التنكيت لإضحاكهم و تسليتهم! كل ذلك بالألفاظ الصريحة التي لا احتمال فيها و لا إجمال و الله المستعان .
* و كيف بالثناء على قصيدة البردة، و وصفها بالقصيدة الجميلة جدًّا، و أن فيها أبيات لائقة جيِّدة يحسن حفظها؟!
* و كيف بالنصيحة بالدراسة عند المخالفين الشناقطة مع الوصية بالتستر على ذلك و الحذر من إشهاره و إذاعته، و الطعن الخطير في السلفيين و وصفهم بمرضى القلوب لكونهم يحذرون من الدراسة عند المخالفين !
* و كيف بتقرير قاعدة الموازنات التي وصفها العلامة الربيع بأنها أخطر قاعدة على الإسلام و أنها تكفي لهدمه.
* و كيف برفض أخبار الثقات و ردِّها على طريقة المميعة؟
* و كيف بالسكوت المطبق عن تحريف الصعافقة لعقائد السلف، و عبثهم بها، و ما أبدوه من الجهل الفظيع بأبسط مسائلها مع تصدرهم للدعوة و التعليم؟!
أليس من جملة ما شنَّع به العلامة ربيع المدخلي حفظه الله على المُخالفين مثل هذا السكوت المُخزي عن ضلالات متبوعيهم كسيد قطب و غيره؟
اسمع إليه يقول -مُنكرًا عليهم- :« لقد طعن سيد قطب في نبي من أنبياء الله وفي عثمان وإخوانه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يهزَّ مشاعر الحزبيين ولا وجدانـهم » [ مقدمة كتاب "جماعة واحدة لا جماعات" ] .
و قال حفظه الله -مُنكرًا مثل ذلك على الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله-: « لماذا لم يأبه بتطاول سيد على مقام ومكانة نبي عظيم ورسول كريم كليم؟!
ولماذا لم يأبه بطعن سيد قطب في الخليفة الراشد عثمان بن عفان، وإخوانه من الصحابة الكرام؟
لماذا لم تحرك فيه كوامِنُ العقيدة، ومنها حب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واحترامهم والقيام بواجب الذب عنهم؟!» .
و قال حفظه الله-يُخاطب الشيخ بكر -:« فما بالك يا فضيلة الشيخ بكر، و يا أيها السلفي تغضُّ طرفًا وتضرب صفحًا وتطوي كشحًا، عن تطاول سيد على نبي كريم ورميه بنقائص لو رُميت أنت بـها لأقمت الدنيا ولم تقعد.
ولماذا تضرب صفحًا عن تطاوله على الخليفة الراشد عثمان ينال من شخصيته، ويسقط خلافته، ويثلب إخوانه من الصحابة الكرام؟! كل هذا لم يهز سلفيتك ولا مشاعرك ولم يقشعر منه جلدك؟» [ كلا النقلين من كتاب " الحد الفاصل بين الحق و الباطل "] .
* و كيف بسكوتهم المخزي عن الطعونات الفظيعة لحلفائهم الصعافقة في علماء السنة كالفوزان و العباد و ابنه و غيرهم، من غير حفظ لكرامتهم؟، بل بلغ بهم الأمر إلى درجة الإهانة كما حصل من (أ.ز) مع العلامة العباد حفظه الله!
* و كيف بالشهادة للمخالفين الرمضانيين بالسلفية و بصريح العبارة؟!
* و كيف بالتهوين الخطير من شأن رأس الخوارج علي بلحاج و الزعم بأن شره قليل بالنسبة إلى غيره، و تبرئته من مناصرة البدع؟
* و كيف بخذيلة أهل السنة في المحاكمات و الاعتذار فيها للمخالفين و التماس المخارج لهم بالتأويلات البعيدة الفاسدة؟
* و كيف بالانتفاء الكلي من الأخطاء و المؤاخذات؟ هذا الانتفاء الذي دوَّنوه في بيان العار، و تولى قراءته على لسانهم -نيابة عنهم- الدكتور(ع.م)، أليس هذا هو عين العناد و المكابرة؟! سيما و قد ظهر و بان كذبهم فيه بما انتشر عنهم من صوتيات و مرئيات، و بما أثبته في حقهم الشهود الأثبات و كذا المخالفون في الشواهد و المتابعات! و قبلهم جميًعا العلامة ربيع المدخلي حفظه الله؟!
و كيف؟ و كيف...؟
و كل هذه المؤاخذات و الزلات المنهجية، و غيرها مما ذُكر في موضعه، ثابت عن القوم بالألفاظ الصريحة، و الأدلة الصحيحة، التي لا لبس فيها و لا إجمال .
فإذا كان السلف يُسقطون و يُبدِّعون بالزلة المنهجية و العقدية الواحدة، و بالمخالفات المتعددة في الجزئيات، و بمخالفة بعض مسائل الشرع، بل و بالمخالفة في جزئية عقدية واحدة، بل بالمُخالفة الواحدة في الفروع لمن جعل يُوالي و يُعادي عليها، بل و باستعمال اللفظ المجمل المحتمل للحق و الباطل في المعاني الشرعية؛ فما بال أقوامٍ يُخرجون من السلفية و يرمون بالحدادية من يُعامل بما دون التبديع من وقع ليس في زلة واحدة ، بل في زلات و مخالفات منهجية تخدش في عدد من أصول أهل السنة، و عقد عليها الولاء و البراء ، و سعى في إسقاط من أنكرها عليه و بالغ في تشويهه و الطعن فيه؟!
أيريد هؤلاء أن يسرحوا و يمرحوا و يعبثوا بأصول هذا المنهج بلا حسيب و لا رقيب؟ أ يريدون هدم منهج السلف و طمس معالمه و استبداله بالمناهج الملتوية، و المسالك التمييعية الاحتوائية الأفيحية التي تسع كل متردية و نطيحة؟ هيهات.
* فإن قال قائل: قد وُجد من الأئمة من كان يعذر المخطئين من أهل السنة و يتسامح معهم فيما يندُّ منهم مُخالفًا لمنهجهم و عقيدتهم!!
قلنا: نعم وُجد هذا! و لكن من بعض الأئمة و الأكثر على ما سبق.
قال الشيخ ربيع حفظه الله: « بعضهم لا يعذرهم كما هو حال الإمام أحمد ومئات العلماء في عصره الذين لم يعذروا من وقف في القرآن من المنتسبين للسنة وأهل الحديث »[ " مجموعة الكتب و الرسائل "(13/107-108)] .
ثانيًا: هؤلاء إنما تسامحوا مع كبار الأئمة الذين اتفقت الأمة على جلالتهم و عظيم مكانتهم في الدين، و ليس مع كلِّ أحد حتى إنهم لم يعتذروا لعلماءَ كبار! فكيف بالصِّغار المُخلِّطين من أصحاب الزلات و الانحرافات المنهجية؟.
قال الشيخ ربيع في تأويل الأئمة لأمير المؤمنين في الحديث أبي بسطام شعبة بن الحجاج رحمه الله، و اعتذارهم له و توجيههم لكلمة ندَّت منه:« ممن تأول هذا الكلام- أي كلام شعبة-: الإمام أحمد رحمه الله؛ لهذه القرائن وغيرها، و لم يتأوَّل لعلماء كبار مثل داود الظاهري ويعقوب بن شيبة .
وكذلك تكلموا في إسماعيل بن علية والمحاسبي والكرابيسي في قضايا القرآن، فكيف بمن هو مثل أبي الحسن والمغراوي وسيد قطب؟
ولم يتأول عمر –رضي الله عنه- لصبيغ، ولا ابن عمر لمعبد الجهني وهو ما كان يعرفه ولا كان مشهورًا ببدعة عنده ولا عند غيره فأعلن البراءة منه ».
[ " مجموعة الكتب و الرسائل "(13/103-104)] .
ثالثا: هم و إن تسامحوا مع بعض كبار الأئمة، إلَّا أنهم لم يتسامحوا معهم في كل شيء، و لا في كل الأحوال.
قال الشيخ ربيع حفظه الله: « بعض العلماء قد يعذرون بعض كبار العلماء في بعض العبارات ولا يعذرونهم في كل شيء؛ لأنهم غير معصومين، وبعضهم لا يعذرهم كما هو حال الإمام أحمد ومئات العلماء في عصره الذين لم يعذروا من وقف في القرآن من المنتسبين للسنة وأهل الحديث، وكما هو حال العلماء الذين شنعوا على ابن حبان والهروي؛ لأن كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، وكتب الجرح والتعديل والفقه والتفسير وشروح الحديث مملوءة بنقد كلام العلماء وغيرهم وتضليل الضالين من المنسوبين إلى السنة وغيرها وإن في ذلك لعبرة للمعتبرين الفاقهين »[ " مجموعة الكتب و الرسائل "(13/107-108)] .
رابعًا: هذا التسامح –ممن تسامح- كان في الأمور الدقيقة الخفية ما لم تُقم الحجة على المخطئ، و ليس في الأمور الجلية الواضحة التي تصادم أصول أهل السنة .
قال الشيخ ربيع حفظه الله:« من هو من أهل السنة و وقع في بدعة واضحة كالقول بخلق القرآن أو القدر أو رأي الخوارج وغيرها فهذا يُبدَّع وعليه عمل السلف.. .
و من كان من أهل السنة ومعروف بتحري الحق ووقع في بدعة خفية فهذا إن كان قد مات فلا يجوز تبديعه بل يذكر بالخير، وإن كان حيًّا فيناصح ويبين له الحق ولا يتسرع في تبديعه فإن أصر فيبدَّع »[ رسالة " اشتراط قيام الحجة في التبديع"].
خامسًا: هؤلاء الذين ربما تسامحوا مع بعض كبار الأئمة و اعتذروا لبعضهم -في مواطن- لم يُحاربوا الذين حذَّروا منهم، و لم يعذروهم و لم يتسامحوا معهم، كما يفعل هؤلاء القوم مع خصومهم السلفيين اليوم! فأين هم من مسلك الأئمة و علماء السلف؟ .
قال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله:« قال الإمام أحمد في يعقوب بن شيبة حينما وقف في خلق القرآن مبتدع صاحب هوى ، وكان يحذر منه ، واعترض أن يوليه الخليفة القضاء مع أنه من كبار حفاظ الحديث .
قال الذهبي : « وقد وقف علي بن الجعد ومصعب الزبيري وإسحاق بن أبي إسرائيل وجماعة وخالفهم نحو من ألف إمام بل سائر أئمة السلف والخلف علي نفي الخليقة عن القرآن وتكفير الجهمية ».
فمع تساهل الذهبي رحمه اللـه لم يشن الغارة على الإمام أحمد ولا غيره » [ " النصر العزيز " بواسطة " مجموعة الكتب و الرسائل "(10/238)] .
و قال الشيخ ربيع حفظه الله: « وعلى كل حال، قد يُتسامح مع بعض كبار أئمة السنة فيما يندُّ منهم مخالفًا لمنهجهم وعقيدتهم وعلمهم ودعوتهم وذبِّهم عن السنة، وغير ذلك من القرائن القوية التي تمنع من إرادة المعنى السيئ المخالف لمنهجهم وعقيدتهم... إلخ.
وقد لا يُتسامح بعض العلماء حتى في مثل هذا، فلا يلومهم علماء السنة ولا يحاسبونهم ولا يحاربونهم »[ " مجموعة الكتب و الرسائل "(13/104)] .
و قال حفظه الله في رسالته " بيان الجهل و الخبال في مقال حسم السِّجال ( الحلقة الثالثة )": « لما ترك الإمام أحمد و من وافقه الرواية عن معلى بن منصور، لم يَثُر من خالفهم، فلم يقولوا :إنهم غلاة تجريح، و لم يسعوا في إسقاطهم و إسقاط منهجهم، كما يفعل بعض الطغام في هذا العصر »اهـ .
و ما أكثر هؤلاء الطُّغَّام المتنكِّبين طريقة السلف، في هذا الزمان لا كثَّرهم الله .
و قال حفظه الله في " المصدر السابق "ردًّا على الطيباوي الذي نقل تزكية شعبة لأبي حنيفة و التي خالف بها جرح الأئمة له .
قال: « كلام شعبة ليس واضحا في تزكية أبي حنيفة، فقوله:« لقد ذهب معه فقه الكوفة» معلوم أن أئمة الحديث و السنة يطعنون في فقه أبي حنيفة طعنًا شديدًا، فيحتمل أن يكون صدر منه هذا الكلام على طريقة إخوانه الذين فرحوا بموت أبي حنيفة.. » إلى أن قال: « ثم إن شعبة على فرض أنه أثنى على أبي حنيفة لم يشعل على أهل السنة الذين تكلموا فيه حربًا، و لم يصفهم بالغُلاة، لأنهم يطعنون في أبي حنيفة!، و لم يؤلِّف المجلدات في الذَّب عن أبي حنيفة و الطعن في أهل السنة و إسقاط شيوخهم، و لم يذهب هنا و هناك لتفريق أهل السنة كما فعل أبو الحسن و عصابته المتأكلون بدينهم »اهـ .
نعم، و كما يفعل اليوم أبواق الاحتوائيين سواء بسواء، و لكلِّ قوم وارث .
و قال الشيخ ربيع حفظه الله ردًّا على احتجاج أبي الحسن المأربي لأصله في المجمل و المفصل باعتذار الذهبي لابن حبان في قوله عن النبوة: إنها العلم و العمل، هذا القول الذي شنَّع به عليه كبار الأئمة، حتى رماه بعضهم بالزندقة.
قال-أي الشيخ ربيع- : « لم يشنِّع الذهبي ولا غيره على هؤلاء الذين أنكروا على ابن حبان، ولم يحاربهم أحد على شدَّتهم في الإنكار..» –إلى أن قال-:
« لم يلُم الذهبي ولا غيره من أنكَر من العلماء على ابن حبان ورمَوهُ بالزَّندقة، ولا قال: ينبغي أو يجب أن يلاموا، ولا قال: هذا كلام مجمل يحمل على مفصله» [ " مجموعة الكتب و الرسائل "(13/105-106)] .
فقارن بين مسلك هؤلاء الأئمة، و بين مسلك جماعة الاحتواء لترى البون الشاسع، بين المسلكين، و الفرق الواسع بين الطريقتين، و الله المستعان .
* و في الأخير أقول:
هذا هو منهج السلف، في مثل هذه القضايا، الذي يسعى بعض من ركبوا التمييع في الجملة –عبثًا- تشويهه و نسبته و أهله ظلما و جورًا إلى الحدادية الغالية، و يُحاول البعض الآخر – ممن هم على شاكلتهم- هدمه و تشييد مسالك التمييع المطاطية على أنقاضه .
هذا هو منهجهم، في الحكم على الرجال، وفي إسقاط المُخالفين، و في التعامل مع أصحاب الزَّلَّات و المُخطئين، لم يستثنوا منه إلا من كان من أهل الاجتهاد و بذَل جهده و أفرغ وسعه في مسألة ما، فكبا به جواده، و زلَّ به قدمه، من غير قصد، إذا صدر منه ذلك في المسائل الخفية الدقيقة دون الظاهرة الجلية كما سبق، و كما سيأتي بيانه و تقريره، و تفصيل القول فيه أكثر بمشيئة الله تعالى و توفيقه عند الكلام على النقطة الثانية، في الحلقة القادمة –بإذن الله تعالى- و التي سيكون موضوعها بحول الله تعالى :
« الصبر على المُخالف»، و هل يجب قبل الرد و التحذير؟ و هل من عامل المخالف بما تقتضيه مُخالفاته من ردٍّ و هجر و تحذير من غير صبر عليه - إذا رآه يستحقُّ ذلك -يكون حداديًا كما يقول البعض؟ و هل من صبر عليه الشهور و السنين و أخَّر التحذير منه لمصلحة رآها، يُكون احتوائيًا كما يقوله البعض الآخر..، و هل..، و هل.. .
جملة من الأسئلة حول الموضوع سيتم الجواب عنها في مناقشة علمية هادفة مُدجَّجة بالنقولات السلفية عن الأئمة المتقدمين و علماء السنة المتأخرين كما هي العادة، و الله الموفق و الهادي إلى سواء السبيل .
و الله أعلم، و صلى الله وسلم على عبده و رسوله نبيِّنا محمد و على آله و صحبه أجمعين .
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
كتبه: أبو بسطام إبراهيم بويران الأخضري الجزائري كان الله له .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق