مناظرة العبّاس بن موسى بن مشكويه الهمدانيّ بحضرة الواثق.
أُدخلتُ على الخليفة المتكنّي بالواثق، أنا وجماعةٌ من أهل العلم، فأقبل بالمسألة عليّ من بينهم،
• فقلت: يا أمير المؤمنين إنّي رجلٌ مروّعٌ ولا عهد لي بكلام الخلفاء من قبلك،
• فقال: لا ترع، ولا بأس عليك، ما تقول في القرآن؟
• فقلت: «كلام اللّه غير مخلوقٍ».
• فقال: أشهدُ لتقولنّ مخلوقًا، أو لأضربنّ عنقك
• قال: فقلت: إنّك إن تضرب عنقي، فإنّك في موضع ذلك، إن جرت به المقادير من عند الله، فتثبّت عليّ يا أمير المؤمنين، فإمّا أن أكون عالمًا فتثبت حجّتي، وإمّا أن أكون جاهلًا فيجب عليك أن تعلّمني لأنّك أمير المؤمنين، وخليفة الله في أرضه، وابن عمّ نبيّه.
• فقال: أما تقرأ {إنّا كلّ شيءٍ خلقناه بقدرٍ } و{وخلق كلّ شيءٍ فقدّره تقديرًا}،
• قلت: يا أمير المؤمنين، الكلّيّة في كتاب الله، خاصٌّ أم عامٌّ ؟
• قال: عامٌّ.
• قلت: لا، بل خاصٌّ.
قال اللّه عزّ وجلّ: {وأُوتيتْ من كلّ شيءٍ}
فهل أُوتيت ملك سليمان عليه السّلام؟
فحذفني بعمودٍ كان بين يديه، ثمّ قال: أخرجوه، فاضربوا عنقه.
فأُُخرجت إلى قبّةٍ قريبةٍ منه، فشدّ عليها كتَّافي،
• فناديت: يا أمير المؤمنين إنّك ضاربٌ عنقي، وأنا متقدّمك، فاستعدَّ للمسألة جوابًا.
• فقال: أخرجوا الزّنديق وضعوه في أضيق المحابس.
• ثمّ ذكرني بعد أيّامٍ وأخرجني من السّجن وأوقفني بين يديه، وقال: عساك مقيمًا على الكلام الّذي كنتُ سمعتُه منك؟
• فقلت: والله يا أمير المؤمنين إنّي لأدعو ربّي تبارك وتعالى في ليلي ونهاري ألّا يميتني إلّا على ما كنتَ سمعتَه منّي.
• قال: أراك متمسّكًا.
• قلت: ليس هو شيءٌ قلتُه من تلقاء نفسي، ولكنّه شيءٌ لقيت فيه العلماء بمكّة والمدينة والكوفة والبصرة والشّام والثّغور، فرأيتهم على السّنّة والجماعة.
• فقال لي: وما السّنّة والجماعة؟
• قلت: سألت عنها العلماء فكلٌّ يخبر ويقول:
• قال: فلمّا سمع هذا منّي أمر بي فقَلَعَ لي أربعةَ أضراسٍ، وقال: أخرجوه عنّي لا يفسد عليّ ما أنا فيه، فأُخرِجتُ، فلقيت أبا عبد اللّه أحمدَ بنَ حنبلٍ، فسألني عمّا جرى بيني وبين الخليفة فأخبرته.
• فقال: لا نسيَّ اللّهُ لك هذا المقام حين تقف بين يديه!
• ثمّ قال: ينبغي أن نكتب هذا على أبواب مساجدنا، ونعلّمه أهلنا وأولادنا.
• ثمّ التفت إلى ابنه صالحٍ، فقال: أُكتبْ هذا الحديث واجعله في رَقٍّ أبيضَ، واحتفظ به، واعلم أنّه من خير حديثٍ كتبتَه، إذا لقيت الله يوم القيامة، تلقاه على السّنّة والجماعة.




